سأروي لك كلَّ شيء
صَرَخت بصوت تخنقه العبرات وهي تقول : لن أعود .. أبدا ً لن أعود .. آه لو عرف أبي .. كيف لو علم زوجي ؟
أتوب .. أريد أن أتوب .. لن أعود .. أبدا ً لن أعود .. أرجوكم استروا علي .. سوف أَضِيع .. سأتحطَّم .. سأنتهي .. كانت مُحاوَلة .. مُحاوَلة فقط .. ؟ أرجوكم .. أرجوكم .. لا تهدموا حياتي .
أنحن نهدم حياتك ؟ أنحن نحطِّمُكِ ؟ أم أنتِ التي جنيتِ ذلك بيديكِ ؟ اختفى الصوت قليلا ً .. قليلا ً غارقا في نهر من الدموع تسبح به عبرات الندم مع أنين يُسمع بين الضلوع .
سألها رجل الحسبة : في تلك اللحظات أخيَّه .. أَلَم تذكري عظمة الله وأنه يراك .. وكيف بكِ إذا وقفتِ بين يديه ؟ هوْلُ القيامة .. إذا فُضِحت السرائر ؟ كيف بكِ إذا سِيق المجرمون إلى جهنم بالسلاسل والأغلال ؟ كيف بكِ إذا وضعت بالقبر وحيدة .
يا أخيَّه ألم تذكري في تلك اللحظات زوجك الذي هو جنَّتكِ أو نارك .. طفلكِ إذا التفتِّ يميناً وشمالاً يبحث عنكِ ويصرخ أمي .. أمي ولم يجبه إلا صدى صوته وهو وحيدٌ خائفٌ تائه .
انفجرت تبكي مرة أخرى وهي تقول : كفى .. كفى .. أرجوك .. لقد تمزَّق قلبي .. أرهقني البكاء كانت محاولة عابثة وطائشة . سأروي لك كل شيء كيف كانت البداية وكيف كان انزلاقي وعبثي .
وبصوتٍ مبحوح قالت : أرجوك لا تخبر أبي فقد يفقد حياته بسببي أو أفقد حياتي بسببه . ولا تخبروا زوجي فأفقِد طفلي ومستقبلي وأكون عرضةً للضياعِ والتشرُّد .
تنهَّدت وقالت : كنت امرأةً سعيدة .. مستقرَّةً في حياتي ، لا همَّ لي في هذه الدنيا سوى زوجي وطفلي .. زوجي من أفضلِ الرجال خلُُقا ً وأدبا ً .. ابني في الثانية من عمره يزرع الابتسامة والفرح في قلبي .
كنت امرأةً لا تعرف من الرجال إلا زوجها ومحارمها .. ولا أعرف النظر إلى الرجال الأجانب لا الحديث معهم .. إذا ذهبت إلى السوق أكون محتشمة لابسةً اللباس الشرعي الساتر .
لم يكن الذهاب للأسواق يوماً من الأيام همِّي .. إلا لشراء ما أحتاجه وأعود مع زوجي وطفلي إلى بيتي .. ومع ترددي إلى الأسواق بين الحين والآخر ، بدأت ألمح ذلك النقاب ترتديه بعض النساء قلت في نفسي ماذا لو جربته ؟
وأوهمت نفسي أني أرى الطريق بوضوح ، وأعاين كل ما أشتري بدقة ، وطالما أني محتشمة فلا عليَّ .. ولم أكن أعلم أن فيه السُمَّ الزُّعاف وشيئا ً فشيئا ً استهويت لبسه ، فصار ضروريا ً .. فقد أحسست أني قد وجدت شيئا قد فقدته ..
فتغيَّرت أيامي وتبدَّلت حياتي وتفكيري .. لذلك بدأت أحرص على الذهاب للأسواق متعلِّلَة أعذار واهية ـ كسراب بقيعة ـ فيوما ً أتذرع بشراء فساتين وآخر لإرجاعها ..
بدأت أتعمد أن أشتري مقاسا مخالفاً لأجد مبرراً لخروجي .. كنت أبحث عن شيء لا أدري ما هو أحسست أن قدمي بدأت تنزلق ولم أفكر بها ..
من بعيد كنت ألمح الرجال بوضوح وأرى نظراتِ الإعجاب .. وهكذا سوَّلت لي نفسي .. وفجأة طرَق مسمعي صوت الإعجاب والثناء وعبارات الإطراء .. هم يرون تلك العيون الكحيلة الواسعة .
فكانت البداية والمأساة .. بدأ حديث العيون يحرقُ شيئاً من حياتي .. في كل مرة أتردد ، أتخوَّف .. ربما وربما .. الخوف من الله .. ثم صراخ ابني يملأ السكون من حولي ..
صوتٌ من أعماقي .. قفي .. تمهلي .. انتبهي .. لا تغرقي ولكن شيئا فشيئا بدأت الرهبة تزول والخوف يختفي .. وفي ذلك اليوم سمعت كلمات الإعجاب وعيني تلحظ الابتسامة .. والوقت صمتٌ طويل .. وندمٌ طويل .. وحزنٌ طويل .
من كتيِّب / أحيلت للمحكمة - فهد الحميد -
سعيد القحطاني