الســؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تشاجرت أنا ورجل في الحي الذي أسكن فيه، وقد قمت بضربه، وكان سبب هذا الصراع أنه كان يمشي بالنميمة بيني وبين أحد أقربائي، ولكني ذهبت قبل أن يعمل هذه النميمة إلى أحد أعدائه وقلت له أنه كان يسب ويشتم والدك ويشتمك أنت أيضا فضربناه، فذهب هذا الرجل إلى أحد أقربائي وعمل نميمة بيني وبين هذا القريب.
وبعد يومين ذهبت إلى قريب آخر لي - وهو خالي - وقلت له ما جرى بيننا فذهب خالي واتصل بهذا الرجل وقال له بأن يأتي إلى بيته وسوف يصلح بيننا، فجاء الرجل إلى بيته وكنت أنا وخالي في انتظاره في البيت فضربناه وجرحناه في رأسه قليلا.
علما بأني لم أزر قريبي الذي عمل هذا الرجل بيني وبينه نميمة منذ أكثر من سنة بسبب هذه النميمة، وعندما ذهبت إلى جاري وقلت له بأن هذا الرجل كان يشتمك أنت وأبوك كان هذا صحيحا، فهو كان يشتمه ويسبه لما كنت أنا وهو صديقين، ولكن كان جاري لا يعرف هذا الشيء، فهل أنا مخطئ فيما فعلته؟ وماذا يسمى هذا الشيء الذي عملته؟ وماذا علي أن أفعل؟ وبماذا تنصحونني أن أعمل؟ وما عقاب الذي فعلته في الدنيا والآخرة مع الأدلة؟!
============
الجـــواب
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنك قد أشرت إلى وقوع هذه المشاكل وهذه المراوغة بينك وبين هذا الرجل الذي قد ذهبت أولاً إلى جاره وأخبرت بما كان يقوله عنك، ثم قام هو برد الصاع لك فذهب ففتن بينك وبين قريبك كجزاء على ما قد قمت به، ثم قمت بعد ذلك بضربه وبالعراك معه ثم قررت ذلك مع قريبك المذكور حتى وصلت إلى أن أدميته شيئاً ما في رأسه، فهذه الأمور التي وقعت منك تدل على أنك مخطئ تماماً فيما قد قمت به، بل إن ما قمت به حرام بإجماع المسلمين، فإن من المعلوم بالضرورة من دين المسلمين أنه يحرم على المسلم أن يضرب أخاه المسلم بغير وجه حق ويحرم عليه أن يشتمه بغير وجه حق ويحرم عليه أن يؤذيه في شيء من الحرمات التي حرمها الله تعالى عليه.
وأما ما قمت به فحكمه أنه النميمة التي حرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أشرت إلى أنك نقلت الكلام الذي كان يقوله حقا في جاره وهذا لا يعفيك من حكم النميمة، لأن النميمة معناها أن تنقل كلاماً سيئاً سمعته من إنسان ثم تذهب إلى الذي قيل فيه الكلام فتقول قد قال عنك فلان وفلان كذا وكذا، فتدخل الفساد بينهما والأحقاد بسبب هذا النقل الذي قلته، وليس من شرط النميمة أن يكون نقلك كاذباً، بل حتى لو كان النقل صحيحاً كما حصل فهي نميمة وهي من كبائر الذنوب - والعياذ بالله تعالى -.
وأما لو كان الكلام الذي نقلته غير حق أو كان كذباً عليه فهذا فوق النميمة هو البهتان الذي قال الله تعالى فيه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}، والدليل على هذا المعنى ما أخرجه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
فالنميمة هي نقل الكلام على جهة الإفساد بين الناس، فمن وقع له ذلك فقد وقع في النميمة التي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من شرها، والتي ذمها الله جل وعلا ذمًّا شديدا؛ كما قال جل وعلا: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي يمشي بالنميمة بين الناس، وقد ثبت في الصحيحن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة نمام)، وثبت في الصحيحين أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله).
فثبت بهذا أن الذي قمت به من المحرمات العظيمة فيجب عليك أن تتوب إلى الله، وهذا هو الظن بك، فإنك ما كتبت هذا السؤال إلا وأنك تريد أن تتوب إلى الرحمن، وأيضاً فإن ضربك لأخيك المسلم من المحرمات العظيمة كذلك؛ فقد قال صلى الله عله وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).
وقد ثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا, فَيُعْطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فَنِيتْ حسناتُهُ قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار). وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
وثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه) قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال : (يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه)، فقد فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان قد يتسبب في شتم والديه، فليس شرطاً أن يسبهما مباشرة فقد يتسبب فيه فمثلاً بأن يسب أبا الرجل فيرد عليه بسب والديه ويزيد المسبوب شتم أم السابِّ أو يسب أمه فيرد عليه بسب أمه، فمن فعل ذلك فكأنه سبّ والديه ويكون قد عق والديه بذلك.
وهذا الأمر لا بد أن تحرص على الأخذ به وأن تعالجه معالجة سليمة، فإن هذا هو الذي يدفع عنك الشر بإذن الله عز وجل، ويجعلك بعيداً عن الآثام وعن القصاص يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فإن قلت: فكيف أفعل في هذا الأمر؟ فالجواب: أن تبدأ أولاً بالتوبة إلى الله جل وعلا والاستغفار لنفسك ولهذا الرجل الذي قد قمت بالاعتداء عليه، ثم بعد ذلك إن أمكنك أن ترسل بعض العقلاء الوجهاء الصالحين كأن يكون هنالك إمام لمسجد الحي الذي لديكم فيذهب إلى هذا الرجل فيبين له أنك حريص على عدم المشاكل معه وأنك تود لو حصل بينكم ماء الصلح، فتجتمعان في بيت من بيوت الله فتتصافحان وتتعانقان ويسامح كل منكما الآخر، فهذا هو المطلوب، وبهذا يا أخي تكون المسلم حقًّا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : (المسلم من سَلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه). متفق عليه.
وخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب أن يُزَحْزَح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وأن يأتي إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه)، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقال تعالى في وصف عباده الصالحين الذين هم أولياء الرحمن المقربين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
فهذا هو الذي ينبغي أن تحرص عليه، وبهذا تخرج من الآثام وتخرج كذلك من أذية أخيك المسلم، فإن أمكن ذلك فهو المطلوب، وإن لم يمكن فعليك بالتوبة وبالاستغفار لهذا الرجل والدعاء له بظهر الغيب، لعل الله جل وعلا أن يغفر ذنبك ويعفو عنك. نسأل الله جل وعلا أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يوفقك لما يحبه ويرضى وأن يؤلف على الخير قلوبكم.
وبالله التوفيق.
المجيب : أ/ الهنداوي