بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أحبتي في الله :
هذه خطبة لمعالي شيخي الأستاذ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد
إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة
ورئيس مجلس الشورى السعودي
(IMG:http://www.alfeqh.com/images/drbin_homaid.jpg)
بدموع الشيخ الرقيقة
وكلماته الصادقة
وعلى منبر المسجد الحرام
وقف الشيخ رقيق القلب
بعلمه المتين
ولسانه المبين
ونظرته العميقة
وألقى هذه الخطبة التي تحتاجها الأمة في هذه الفترة من حياتها
بعنوان
وألف بين قلوبكم
بتاريخ 21 محرم 1428 هـ ـ 9 / 2 / 2007 م
وأشير هنا إلى أني قمت بجمع هذا الموضوع من تتبعي لوسائل الاعلام ومواقع الانترنت
وكتبته بكلماتي ، ونقلت نص الخطبة من موقع المنبر .
أسأل الله أن يكون هذا المشروع الجديد بركة على أمة الإسلام
وأن يؤلف بين قلوب أمتنا
وأن يرد الله كيد الأعداء في نحورهم.
وقبل أن أترككم مع هذه الخطبة مكتوبة ومسموعة أكرر دعوتي التي أختم بها كلماتي غالبا :
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وحقق لنا جميعا منانا .
وألف بين قلوبكم
ملخص الخطبة
1- سوء أوضاع المسلمين. 2- التحذير من النزاعات الطائفية والتناحرات الحزبية. 3- استثمار العدو للخلاف بين المسلمين. 4- التحذير من النظرة السوداء لتاريخ الأمة. 5- ضرورة تصفية تاريخ الأمة من الروايات المدسوسة والأساطير المختلقة. 6- شدّة الترابط والتحابُب بين الصحابة وآل بيت النبي . 7- تيارات المَكر والغدر. 8- التحذير من الطمأنينة والأمن المغشوش. 9- الدعوة إلى الوحدة والائتلاف. 10- الإشادة بجهود خادم الحرمين الشريفين في حلّ النزاع بين الإخوَة الفلسطينيِّين. 11- شكر وثناء ونصائح للقادة الفلسطينيين. 12- الحث على الاستمرار في هذا النهج.
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا الغفلةَ، فالعاقلُ من يرَى العِبَرَ بعينيه، ويسمع المواعظَ بأذنيه، والنذير قد وصلَ إليه، ينذره يومُه وأمسُه، ويحدِّثه بالغِيَر قمَرُه وشمسُه، الأيّام مطايا تحثُّ على أخذِ العدَّة قبل حلول المنايا، فالزموا الجِدَّ والاجتهاد، وتزوَّدوا والتقوَى خيرُ زادٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37].
أيّها المسلِمون، إنَّ ما تشهَدُه ساحَةُ المسلمين اليومَ يُسرّ العدوَّ ويحزِن الصديق، ويفرح مبتغِي شقاءِ الأمّةِ وفُرقَتَها، يسوء محِبَّ الدينِ والقرآن ونبيِّ الإسلام محمّدٍ والأئمّةِ المهديِّين وآلِ البيت الطاهرين والصَّحبِ الأكرمين والمتَّبعين بإحسان. إنَّ ما يجرِي مصيبةٌ عُظمى في الأمّة ومجدِها وناصِعِ تاريخها وصادِقِ فتوحاتها وسِيَر أئمّتها وخلفائها ورجالاتِهَا وعَوامِل بنائها واجتماعِها. إن استِمزاجَ ذلك وقبولَه والسماحَ به ناهيكم بالتمكينِ له كلُّ ذلك إعانة وخيانةٌ ومسلَك عدائيّ لا تصلح به دنيا ولا يقوم به دينٌ. إنَّ وحدةَ المسلمين لا تقوم على التحريش والتحريضِ واستدعاء المثالِب لطرفٍ وإبرازِ المناقبِ لآخر والانكفاء على العصبيّة والرموزِ المذهبية والنّعَرات الطائفيّة. إنَّ ذلكم ـ وربِّكم ـ هو قاصمةُ الظهر، وهو الذي يَنبذ الأمّةَ خارجَ التاريخ.
عبادَ الله، يا أمّةَ محمّد، يجب التفكير الجادُّ الصادق الأمين دينيًّا وفكريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا ،فلا يستهينُ عالم ولا مفكّرٌ ولا سياسيّ ولا صاحب رأيٍ أو قلم، لا يستهين بهذه الألغام الخطِرَة المدمِّرة التي إن لم تحاصَر وتُكبَت فإنها ـ والله ـ ستجعَل الأمّةَ شَذَرَ مَذر، وسَوف تعيش في ظلامٍ دامِس ومستقبلٍ أشدّ ظلامًا في الدين والدنيَا إلاّ أن يرحمَنا الله.
إنَّ العدوَّ الخارجيّ والغازيَ الأجنبيَّ لم يوجِدِ الخلافَ في الأمّة، ولكنَّه وجَد فيهِ أرضًا خصبةً ليزرعَ مكرَه وكيده؛ فيمزِّق الأمّةَ ويفتِّت القوّة ويستبدَّ بالسيطرة.
إنَّ نجاح العدو في استثمارِ الخلاف ليس لشدَّة ذكائه وعظَمِ دهائه فحسب، ولكن لتقصير الأمّة، وقد يكون لعِظَم غفلَتِها وسذاجتها، وأخشى أن أقولَ: لضعفِ دينها وقِلَّة أمانتها. فحذارِ ـ رحمكم الله ـ ثم حَذارِ أن تُزَجَّ الأمَّةُ في الزّلزال الطائفيّ والبركان المذهبيّ، يجبُ الإصرارُ ثم الإصرار على نهجِ الوَحدة والعيش الجماعي والتعايش السلميِّ وأمنِ ديار الإسلام والحفاظ على بَيضَة المسلمين وعَدمِ التّمكين للعدوِّ المتربِّص. نعم ثم نَعَم، إنَّ هناك سلبيَّاتٍ وعوائقَ ونكساتٍ تعتَرِض المسيرةَ، غيرَ أنَّ وجودَها أمرٌ طبيعيّ لتأثيراتِ التاريخ وسلبيَّاتِ التّراث عند مختلفِ الأطراف والفِئاتِ والمذاهبِ والطّوائِف.
إنَّ مِن الخذلان والخيانةِ أن لا ينظرَ طالبُ علم أو مثقَّف أو مشتغِل بتأريخ الفرَقِ والمذاهب في أهلِ الإسلام أن لا ينظُرَ هؤلاء إلاَّ إلى بعضِ صُوَر المظالم والتقاتُل والمثالب والنقائص، كيف إذا كان مثلُ هذا الاشتغالِ والنظَر يتوجَّه إلى تاريخ صدرِ الإسلام وسِيَر السابقين الأولين من المهاجرينَ والأنصار وتابعيهم بإحسانٍ والأئمةِ والخلفاء ممّن رضِيَ الله عنهم ورَضوا عنه؟! كيف وقد قالَتِ الحكماء: من تلمَّس عيبًا وجدَه، ومن اشتغَل بعيوبِ الآخَرين هلَك وأهلَك؟! كيف إذا كانَت عيوبَ نُبَلاء وعَثَراتِ كِرامٍ وأخطاءً هي من طبائِع البشر والأمَم والسياسَات؟! كيف وقد نزَعَ الله ما في صدورِهم من غلٍّ وألَّف بين قلوبهم؟!
معاشرَ الأحبة، إنَّ من النُّصح للأمّة والصِّدق في جمع الكلِمَة من العالمِ المؤمِن والمفكِّر الناصِحِ والمحِبِّ للدّين والأمّة وللمُصطفى وأهلِه وأصحابه إعادةَ النظر في رواياتِ التكفير والتحريفِ والسّبِّ والطعن ورواياتِ الغلوّ والشّطح والانحراف والتّراثِ الأسطوريّ الخرافي الذي تعُجُّ به كتُب الغُلاةِ والمتعصِّبين وأشباهِهم؛ ممّا يستَدعي محاوَلةً جاَدَّة لاستبعادِ ذلكَ الرُّكام الأسوَد الذي يدعو إلى سبِّ الصحابة والنيلِ مِن القرابَة واحتقارِ التاريخ المجيدِ والمسيرةِ المضيئة لدينِنا ورِجالاتِنا وأئمَّتِنا وخلَفَائِنا وفتوحَاتِنا. يجِبُ ردُّ وَصَدّ الرّوايات المدسوسَة والبِدَع المنكرَة المفضوحَة التي لم يكن هدَفُ واضِعِها ولا غرَضُ مقتَرِفها إلاَّ هَدمَ الدّين والعَقيدةِ ونَشرَ الفُرقة والتناحُر بين المسلمين.
في مقابلِ ذلك يجِب التوجُّه نحوَ عرضِ الحقِّ المشرِق الصحيح الثابتِ لمجتمع الصحابة والقرابة ومن تبِعَهم بإحسانٍ، ففي كُتُبِنا جميعًا رِواياتٌ صحيحَة مُضيئةٌ يثبِتُها النّقل ويصدِّقها العقل ويألَفُها الحِسُّ المؤمِن والذَّوق الطيِّب النصوح وتتَّفِق مع آي القرآن الكريم وهديِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم وهدايتِه وتوجيهِه وسيرته.
أيّها المسلمون، وإنَّ مِنَ العجَب العُجاب وما يدفَعُ الرَّيبَ والارتياب ويسرُّ الصديقَ ويؤكِّدُه منهج التَّحقيق أن الناظرَ والباحث كلما تقدَّم متوغِّلاً في القِدَم رَاجعًا إلى عصورِ الإسلام الأولى يجِدُ التطابُقَ والتّماثُلَ والتوادَّ والتحابُب من آل بيتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم وصحابةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبِه وسلّم، وكلّما تأخَّر بالأمة الزّمنُ بدَت ألسنةُ الدخانِ ومَناطِقُ الظّلام وصُوَر التشويشِ والتحريشِ ومظاهرُ العنف الفكريّ والتعصّب المذهبيّ والطائفيّ.
يا أحبابَ القرابة والأصحابِ، وهذا إيرادٌ لنماذجَ يبتهِج معها قلبُ المؤمن ويأنس بذِكرها محبُّ الدين وتقرُّ بها عينُ المشفِق على الأمّة. نهجٌ إيمانيّ سارَت عليه تِلكُم المواكب الإيمانيّة الخيِّرة والقدواتُ الحسنَة من الصحبِ والقربى، فليس في قلوبهم ولا في صدورِهم غِلّ، بل كانوا على الحقّ والخيرِ إخوانًا وأعوانًا.
هذا أبو بكر يقول لعليٍّ رضي الله عنهم جميعًا: (والذي نفسي بيده، لقرابةُ رسولِ الله أحبُّ إليَّ أن أصِلَ من قرابتي)، ويقول: (ارقُبوا محمَّدًا في أهلِ بيتِه)، ويقول: (أفتِنا يا أبا الحسَن). ثم انظروا إلى هذه الصورَةِ الحميمةِ الرقيقةِ، فقد صلَّى أبو بكر العصرَ ثم خرج يمشي، فرأى الحسَنَ يلعَب مع الصبيانِ، فحمَلَه على عاتقه وأخذَ يرتجل:
بِأبي شبِيهٌ بالنّبيِّ لا شَبيهٌ بعليٍّ
وعَليٌّ معَه يَضحَك.
أمّا عمَرُ فهو الذي يقول: (لولا عليٌّ لهلَك عمر، ولا مكان لابنِ الخطاب في أرضٍ ليس فيها ابن أبي طالب). وحينما رفع الديوانَ ليوزِّع بَيتَ المال بدأ بآلِ بَيت رسول الله ، وقد ظنَّ الناسَ أنه يبدأ بنفسه، بل قال: (ضَعوا عمرَ حيث وضعَه الله)، فكان نصيبُه في نوبةِ بَني عديّ وهم متأخِّرون عن أكثر بطونِ قريش.
أمّا عائشة رضي الله عنها فأصحُّ الطرق في مناقبِ عليٍّ رضي الله عنه كان مِن روايَتها، فقد روَت حديثَ الكساء في فضلِ عليّ وفاطمة والحسَن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وكانت تحيل السائلين والمستَفتين إلى عليٍّ ، وطلبَت رضيَ الله عنها بعد استشهادِ عُثمان رضي الله عنه أن يلزَمَ الناسُ عليًّا؛ فقد سَألها عبد الله بن بدِيل بن وَرقاء الخزاعي: من يبايع؟ فقالت: (الزَم عَلِيًّا ).
وقالَ رَجلٌ لعبدِ الله بنِ عمَر رضي الله عَنهما: إني لأبغِضُ عَليًّا، فقال له ابنُ عمَر: (أبغَضَك الله، أتُبغِض رجلاً سابقةٌ من سوابقه خير من الدنيا وما فيها؟!).
هذه بعضُ الدُّرَر المتَلألِئَة مِن مَعين الصَّحبِ الكِرام في عليّ وأهل البيت الأئمّة الكِرام الأطهار.
أمّا علي وآلُ البيت فاسمعوا إلى دُررٍ من درَرِهم في الصَّحب الكرام:
عن أبي جُحيفةَ ـ وهو الذي كان عليٌّ يسمّيه وَهبَ الخير ـ قال: قال لي عليٌّ : يا أبا جُحيفةَ، ألا أخبِرك بأفضل هذه الأمّة بعد نبيِّها؟ قال: فقلت: بلى، قال أبو جحيفةَ: ولم أكن أرَى أنَّ أحَدًا أفضل منه، قال: أفضلُ هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، وبعدهما آخر ثالث لم يسمِّه. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وُضِع عمرُ على سريره ـ يعني بعد وفاتِه ـ، فتكنَّفَه النّاس يدعون ويصلّون قبل أن يرفعَ، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلاّ رَجلٌ أخَذ بمنكبي فإذا عليّ بن أبي طالب ، فترحّم على عمر وقال: ما خلّفتُ أحدًا أحبّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عَمَله منك، وايمُ اللهِ إن كنتُ لأظنّ أن يجعلَكَ الله مع صاحبَيك، وحَسِبتُ أني كثيرًا أسمع النبيَّ يقول: ((ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر)) و((دخلتُ أنا وأبو بكر وعمر)) و((جِئتُ وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر)).
أمّا عائشةُ رضي الله عنها فإنَّ عليًّا كان يكرمها ويجلُّها ويحفَظ لها مكانها من رسول الله ، فقد وقَف رجلان على على بابِ دارِها في البصرة، فقال أحدهما: جُزِيتِ عنّا أمَّنا عقوقًا، وقال الآخَر: يا أمَّنا، توبي فقد أخطأتِ، فبلغ ذلك عليٍّا ، فبَعَث القعقاعَ بنَ عمرو إلى الباب، فأقبل بمن كانَ عليه، فأحالوا على الرّجلين، فضربهما مائةَ سَوط وأخرجهما من ثيابهما.
ويَروي جعفرُ بن محمّد عن أبيه رضي الله عنهم جميعًا قال: لقد رَأى عليّ طلحةَ في وادٍ ملقى ـ يعني بعد حرب ـ، فنزل فمسَح الترابَ عن وجهه وقال: (عزيزٌ عليَّ ـ أبا محمّدً ـ أن أراك مجندَلاً، إلى الله أشكو عُجَري وبجَري)، فترحَّم عليه ثم قال: (ليتني متُّ قبل هذا بعشرين سنة)، وكان يقول: (إني لأرجو أن أكونَ وطلحةُ والزّبير ممّن قال الله فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر: 47]).
ولمّا سئِل عن أهلِ النّهروان من الخوارِج: أمشرِكون هم؟ قال: هم من الشِّرك فرُّوا، قيل: أفمُنَافقون هم؟ قال: إنَّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخوانُنا بَغَوا علينا.
والموضوعُ ذو شُجون، والحديثُ مُضيءٌ ممتِع في كتُبِ الصِّحاحِ والتّاريخ الثابِتِ الموثَّق في كتب أهل الإسلام كلِّهم، مليءٌ بما بين أصحابِ رسول الله وأهلِ بيتِه والتابعين بإحسانٍ من مودّة ومحبَّة واعتراف بالفضل متبادَل.
يَا أحبابَ الصّحابةِ والقُربى، ولم يقِف الإعجاب والحبُّ والمودَّة عند الأقوال على أهمّيَّتها وعظيمِ أثرِها وصِدق مخرَجها، ولكنهم سجَّلوا لنا من الأفعال والسلوك ما يُتَغنَّى به في الاقتداء ولزومِ الأدب وحُسن الأسوة، فرسولُ الله تزوَّج عائشةَ وحَفصَة ابنتي أبي بكر وعمر ورَملةَ بنت أبي سُفيان، وعليٌّ تزوَّج فاطمةَ بنتَ رَسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابِه وسلّم، وعثمانُ تزوَّج رقيَّة وأمَّ كلثوم ابنتي رسولِ الله ، وعليٌّ سمَّى ثلاثةً من أبنائه أبا بكرٍ وعمرَ وعثمان، وزوَّجَ ابنَتَيه فاطمةَ وأمَّ كلثوم لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، والحسنُ بن علي سمّى أولاده أبا بكر وعمرَ وطلحة، والحسين سمَّى ولدَه عمر، والحسن تزوَّج أمَّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وتزوَّج حفصةَ بنت عبدِ الرّحمن بن أبي بكر، ومعاويةُ بن مروانَ بنِ الحكم الأمويّ تزوَّج رَملة بنت عليّ، وعبدُ الرّحمن بنُ عامر بنِ كريز الأموي تزوَّج خديجة بنتَ علي.
واستمرَّ هذا المسلك الراشدُ إلى أجيال متعاقبةٍ، فهذا الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه وعن آبائه جدُّه لأمِّه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأمُّه فَروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمُّ القاسم هي أسماءُ بنتُ عبدِ الرحمن بنِ أبي بكر، ولهذا كان الإمامُ جعفَر يقول: "ولدَني الصّدِّيق مرَّتَين"، وجعفر بن موسى الكاظِمُ رضي الله عنه وعن آبائه سمَّى ابنَتَه عائِشةَ.
إنَّ هذه الأجيال المباركةَ في قرون الإسلام المفضَّلةِ لم يسَمّوا أولادَهم وفلذاتِ أكبادهم لمصالح دنيويّة ولا ابتغاءَ مناصب ومطامعَ، ولكنّهم سموهم بأسمائِهم وصاهَروهم في أنسابهم لأنهم رجالٌ كرام يُقتَدَى بهم، بل كانت المصاهرة والمزاوجةُ مثالاً شامخًا وأنموذجًا يحتذى في سلامةِ الدِّين وصفاءِ القلوب وتلمُّسِ رِضا اللهِ ورِضا رسوله ورضا أهلِ بيتِه ورضا أصحابه.
نعم والله، إنَّ هذا الترابُطَ والتراحم والتلاحُم الأسريَّ المبارك من آل بيت رسول الله ومن الصحابةِ وذرّيَّاتهم والتابعين بإحسان نسبًا وصهرًا كلُّه تجسيد للمودّة وأخوَّة الدين واتِّباع سُنَن سيِّد المرسلين.
وبعد: أيّها المسلمون، فيجِب أن تُفجَّر أنهارُ السلسبيلِ الدّافِق من ثقافةِ التسامُح والقَبول المتبادَل والنظر إلى إيجابياتِ التاريخ والرجال، يجِب الزّرعُ والنّشرُ للصّوَرِ الحقيقيَّة المشرِقة الجامِعة المانِعة، لا أن تُتَتبَّع العثرات والزلاتُ والهفوات التي لا يمكن أن يخلوَ منها بشرٌ أو أمّة أو دولةٌ أو سياسية. هذا إذا كانت ثابتةً واقعة، فكيف إذا كانت مَدسوسةً مكذوبة أو كانت تَفسيرًا لمغرضٍ أو تَأويلاً من صاحِبِ هوى أو قليلِ علم أو دين؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].
نفعني الله وإيّاكم بالقرآنِ العظيم وبهديِ محمّدٍ ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذَنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
ا