بقلم / محمود القاعود
لطالما سمعنا أذىً كثيراً من الذين فى قلوبهم مرض والمرجفين من أهل الضلال والبهتان وعُبّاد البشر والبقر حول الإسلام العظيم وتعاليمه الطاهرة النقية الفضلى .
ومما أخذه أهل الضلال على الإسلام العظيم هو إباحته لتعدد الزوجات ، أى أن يكون للرجل أكثر من زوجة فى وقت واحد .. وهذا التشريع لا يكف سدنة الباطل عن انتقاده بالليل والنهار ، ويُطالبون بتجريمه وتحريمه ، وللأسف الشديد استطاع أهل المنكر والباطل أن يستقطبوا خلفهم قطيعا كبيراً من بعض من ينتسبون إلى الإسلام ببطاقات الهوية ، حتى ينبحوا خلفهم ويسيروا وراءهم .
فأصبحنا نسمع من يقول التعدد مشروط فى حالة تكون الزوجة عاقر ، وبخلاف ذلك لا تعدد ! ومنهم من تنازل قليلا وقال أن التعدد مشروط فى حالة العقم والمرض !!
وخرجت الكتب التى تذم تعدد الزوجات وتقول أنه دعوة ذكورية بحتة ، وتفضيل للرجل على المرأة ، وقهر للمرأة ، وأن الإسلام أخذ التعدد من العادات الجاهلية البالية ولكن الإسلام شرعن تلك العادات الجاهلية بدلا من أن يزجرها !
وراح أهل الضلال يسخرون من علماء الإسلام الذين اجتهد بعضهم ووضع أسبابا لتعدد الزوجات مثل : مرض الزوجة وعقم الزوجة أو أن يكون للرجل شوق جنسى ولا يقدر أن يصبر على زوجته فى الأيام التى لاتصلح فيها للعلاقة الجنسية ، مثل أيام الحيض والنفاس أو أن غريزة الرجل الجنسية أقوى منها عند المرأة وأن عنصر الإثارة عند الرجل أشد وأسرع و أقوى منه عند المرأة .
وتساءلوا – كما أوحى إليهم شيطانهم - : ماذا لو كان الزوج عقيم أو مريض ، هل تعدد المرأة الأزواج ؟!
وأخذوا يُحللون ويدّعون أن المرأة يسوؤها أن ترى زوجها فى حضن أخرى غيرها ، مثلما يسوء الرجل أن يرى زوجته فى حضن آخر غيره ، وراحوا يسردون المشاكل التى تقع بين الزوجات المشتركات فى رجل واحد ( الضرائر ) .
وزادوا فى وقاحتهم وسفالتهم ، فادعوا كذبا وزورا أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم رفض أن يُطبق مبدأ التعدد على ابنته فاطمة الزهراء رضى الله عنها وأرضاها حينما أراد على بن أبى طالب رضى الله عنه أن يتزوج عليها !
وجعل البعض من نفسه عالماً وفقيها وأخذ يُفسر آيات الله وفق هواه ومزاجه المريض ويقول أن الله قال أننا لن نعدل ، وأمرنا بواحدة فى حالة عدم تحقق العدل ، وأن الآية أباحت التعدد من أجل الإقساط فى اليتامى ، إذا فلا يجوز التعدد لأى سبب آخر ، لأن القرآن حدد السبب وهو الإقساط فى اليتامى ، أما من يقول بأنه تزوج من أجل التناسل أو الحب أو أى شئ فالآية لا تُبيح له ذلك !!!
ومن وسط هذا الكلام نجد النصارى يُبشرون بعقيدتهم و يقولون : تعالوا إلى شريعة المحبة وشريعة الزوجة الواحدة :
((24ولِذلِكَ يترُكُ الرَّجلُ أباهُ وأُمَّهُ ويتَّحِدُ باَمرأتِهِ، فيصيرانِ جسَدًا واحدًا )) ( تكوين : إصحاح 2 : 24 ) .
((5وقالَ: لذلِكَ يَترُكُ الرّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويَتَّحِدُ باَمرأتَهِ، فيَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحدًا؟ 6فلا يكونانِ اثنينِ، بل جسَدٌ واحدٌ. وما جمَعَهُ الله لا يُفرَّقُهُ الإنسانُ". )) ( متى إصحاح 19 : 5 - 6 ) .
( عظيم هو سر الزواج ) !!
ونقول : نحمد الله على نعمة الإسلام العظيم وعلى نعمة العقل السليم التى منحها لنا رب العالمين ، بعيداً عن السفهاء والمأجورين من عبيد الشهوات والمحاربين للإسلام .
يقول الحق سبحانه وتعالى :
((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) ( النساء : 3 )
وإنى أتساءل أين فى الآية الكريمة ما يُفيد أن الله قال : لا تتزوجوا إلا امرأة واحدة فقط ؟
أين فى الآية الكريمة ما يقول أن الله حرم التعدد ؟؟
أين فى الآية الكريمة ما يُشير إلى التقييد ؟؟
أين فى الآية الكريمة ما يُفيد أن الله يقول : خذوا رأى نسائكم قبل الزواج من أخرى ؟!
أين فى الآية الكريمة ما يقول أن التعدد يكون لمرض الزوجة أو أنها عاقر ؟؟
أين الهلوسات التى يتحدث بها أنصار تبادل الزوجات وتعدد الأزواج واختلاط الأنساب ؟؟
أين فى الآية ما يقول أنه لا تعدد إلا من أجل اليتيمات ؟؟
أين ما يُروجه السفلة الكذبة الذين اشتروا دنياهم بالآخرة ؟؟
الآية واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج أن يكون مفسرها من " وادى عبقر " ، فالمقصود أيها الرجال إذا خفتم ألا تعدلوا فى زواج اليتيمات ، فتزوجوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع .
لكن الآية تُحدد لنا شرطاً وحيداً للتعدد ألا وهو " العدل " بين الزوجات .
أما من زعموا بأن الآية اشترطت الزواج من اليتيمة ، نورد لهم حديث الإمام البخارى :
(( حدثنا علي: سمع حسان بن إبراهيم: عن يونس بن يزيد: عن الزهري قال:
أخبرني عروة: أنه سأل عائشة عن قوله تعالى:{وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أوما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}. قالت: يا بن أختي، اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في مالها وجمالها، يريد أن ينتقص صداقها، فنهوا عن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء. )) ( 4777 ) .
والمقصود من الآية الكريمة أنه إذا خفتم من الظلم مع اليتيمات ، فخافوا منه مع الزوجات الكثيرات .
أما الآية الكريمة التى يستخدمها هؤلاء السفهاء كمبرر لمنع التعدد ، وهى قول الحق سبحانه وتعالى :
((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )) ( النساء : 129 ) .
فيقولون : هنا أخبر الله بعدم العدل وبما أنه قال سابقاً إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، إذا التعدد مستحيل ومحرم !!
فهل العدل فى هذه الآية غير العدل فى الآية الأولى ؟
ولفهم هذه الآية الكريمة لابد أن نستعرض قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يُقسّم بين زوجاته بالسوية ، ثم يقول :
(( اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك )) ( رواه الإمام أحمد وأهل السنن ) .
يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله هو الذى يملك القلوب بين يديه ، وهو الذى يعلم بما تُخفى الصدور .
إذاً فالمقصود من العدل بين النساء فى الآية الأولى هو العدل من حيث النفقة والمعاملة الحسنة والرعاية والمسئولية الكاملة ، أما استحالة العدل فى الآية الثانية فهى المشاعر ، أى أن يكون الزوج يميل لزوجة معينة عن باقى زوجاته ، ولهذا جاء تعقيب الحق سبحانه وتعالى للتدليل على أن المقصود فى الآية هنا هو عدم العدل فى المشاعر :
((فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ))
أى أن ميل الزوج كل الميل إلى واحدة يجعل الأخرى كالمعلقة ، لذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يُحذر من هذا الميل الذى يتحول إلى ظلم وإجحاف لحق واحدة تُصبح كالمعلقة ، فيقول :
(( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط )) ( رواه أحمد وأصحاب السنن ) .
وتعدد الزوجات ليس بدعة أتى بها الإسلام ، بل إنه كان مباحاً فى جميع الشرائع ، حتى الديانات الوثنية .
فعن تعدد الزوجات فى كتاب النصارى المقدس ، فحدث ولا حرج :
جاء عن سليمان عليه السلام وعدد زوجاته : ((3وكانَ لَه سَبْعُ مئةِ زَوجةٍ مِنَ الأميراتِ وثَلاثُ مئةِ جاريةٍ )) ( ملوك الأول إصحاح 11 :3 ) .
نرى سليمان يُعدد ألف زوجة وليس أربعة !!
جاء عن يعقوب : ((23وقامَ في اللَّيلِ، فأخذَ اَمرَأَتَيهِ وجارِيَتَيهِ وبنيهِ الأَحَدَ عشَرَ وعَبَرَ مخاضَةَ يبُّوقَ، )) ( تكوين إصحاح 32 : 23 ) .
إبراهيم عليه السلام كان له أربع زوجات
داود عليه السلام كان له تسع زوجات بالإضافة للسرارى
وقد يعترض بعض النصارى ويقول إن هذا الكلام وارد فى العهد القديم أى قبل عصر " النعمة " !!
ونقول : من الذى أوحى بهذا الكلام الذى جاء قبل عصر " النعمة " ؟! أهو الله أم الشيطان ؟!
وهل الله يتقلب مع العصور ، فهذا عصر الظلم ، وهذا عصر الخطيئة ، وهذا عصر النعمة ؟؟!! وتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا .
والكنائس نفسها كانت تُبيح تعدد الزوجات حتى القرن السابع عشر الميلادى
يقول المؤرخ " وستر مارك " : (( إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقى إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيرا فى الحالات التى لا تُحصيها الكنيسة والدولة ) .
إذا ينبغى على من ينبحون بالليل والنهار ويحدثونا عن الزوجة الواحدة التى تصبح هى والرجل جسد واحد ، عليهم أن يكفوا عن نباحهم وأن ينظروا لواقع الأمر .
ثم إن التعدد هو نداء الفطرة السليمة ، لذلك نجد النصارى فى عذاب دائم ومستمر بسبب عدم حل إشكالية الزواج بأكثر من واحدة .
.